اعتمد الناس على مر العصور بتذكر تفاصيل حياتهم اليومية . أما في عصرنا اليوم نعتمد على السحابة (الانترنت ) في ذلك ، حيث أن لها تأثير كبير في تغيير إدراكنا وتذكرنا لأدق التفاصيل ، فمن خلال الانترنت نستطيع البحث والنفاذ إلى أي مكان نريدهافي الأحوال العادية نعتمد بذاكرتنا على الآخرين بتذكر باقي المعلومات
إن خاصية توزيع المعلومات نشأت عبر ما يسمى بـ (( منظومة الذاكرة التبادلية )) ففي هذه المنظومة أو العالم استطاع العقل البشري أن يحقق نجاحاً هائلاً في تخزين وأرشفة المعلومات ، إلا أن وبوجود الانترنت أصبح هذا العالم ، صاحب القدرات والطاقات الهائلة
فقد أصبحنا نتعامل مع الانترنت وكأنه صديق بشري ذو ذاكرة تبادلية مثلنا بالضبط بل إننا واثقون به أكثر من تلك المنظومة البشرية . فهذه الثقة نابعة من سرعة تخزين هذه المنظومة للمعلومات وقدرتها على تقديم المعلومات والذكريات بسرعة فائقة وسهولة كبيرة .
تبين لنا من خلال الدراسات والأبحاث الجديدة التي أجريت ، قدرة الانترنت على أن يحل محل الصديق أو احد ارفاد الاسرة نشاركه ذكرياتنا ومعلوماتنا الحياتية اليومية . طلب كل من سبارو وليو في جامعة كولومبيا من المشاركين في البحث العلمي بإدخال 40 معلومة لا على التعيين أي عشوائية إلى الحاسوب ، وقاموا بإخبار نصف المجموعة بأن هذه المعلومات ستخزن في الحاسوب ، واخبروا النصف الآخر أن هذه المعلومات ستمحى . ثم طلبوا من كلا المجموعتين ذكر تلك المعلومات بصرف النظر عن إنها مخزنة أم لا . فوجدوا أن المجموعة المعتقدة بأن الحاسوب خزن تلك المعلومات كانوا قد نسوا المعلومات أكثر من المجموعة الأخرى ؛ فبدلاً من أن يرسلوا تلك المعلومات إلى ادمغتنهم قاموا بإرسالها إلى عقل الحاسوب . ومن المفاجئ أيضاً أن الأمر سارا على المجموعة الأخرى . فيبدو أن عملية إرسال المعلومات إلى الوسائل الرقمية و الافتراضية أسهل بكثير من تخزين تفاصيل تلك المعلومات في أرشيفنا الدماغي .
فالانترنت صديق قادر على مدنا بأي معلومة نريدها فهو ليس كأي صديق بشري آخر قابلنا سابقاً . فهو عارف وموجود دائماً ويعمل دائماً ومحدث بشكل مستمر. تتبين قدرة الانترنت الهائلة عند مقارنتها باستعانتك بصديق لمعرفة معلومة ما ، فتقوم بالبحث عن هذا الشخص آملاً انك تجد عنده الإجابة الصحيحة والمرجوة ، فتنتظر منه الإجابة بعد حركات وأصوات يصطنعها هذا الشخص ريثما يجد الإجابة في ذهنه ، وقد يتطلب الأمر بالبحث بين الكتب والتجوال بين صفحاتها . لكن غوغل و (( ويكيبيديا )) قد غيّرا واختصرا هذا العناء . فأحياناً نستجر المعلومات من الانترنت بسرعة أكبر بكثير مما يستطيع أرشيفنا الدماغي فعله .
بإمكاننا تجاوز الحدود والقيود التي تفرضها علينا الذاكرة والإدراك البشري من خلال استخدامنا وتخزيننا للمعلومات من العالم الافتراضي وهذا أمر ايجابي ، إلا أن بهذه العملية نعرض أنفسنا لخطر فقدان ذواتنا وهويتنا ، حيث نقوم بدمجها بمنظومة افتراضية ، ليست بشرية مثلنا ، تعتبر الوسيلة الأقوى والأسرع في تخزين واستجرار المعلومات من أي وسيلة أو مصدر شهده العالم على مر العصور .
أراكم في تدوينة اخرى إن شاء الله